ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الاختلاف سنة من سنن الله

23:12 - January 21, 2024
رمز الخبر: 3494289
بیروت ـ إکنا: إن الاختلاف سنة من سنن الله لأن الحياة الإنسانية لا تنمو ولا تتطور إلا به قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿هود / 118﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ..."﴿هود/119﴾ فالناس قد خُلقوا ولكل منهم استعداد، ولكل منهم مشرب، و لكل منهم منهج، ولكل منهم طريق.
الاختلاف سنة من سنن الله لأن الحياة الإنسانيةورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "صَوابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ وَيَذْهبُ بِذَهابِها".
 
حقيقة يقررها الإمام (ع) تتصل بحرية الرأي من جهة وتداوله من جهة أخرى، فالمجتمع الذي يُخنَق فيه الرأي، ويُمنَع على أهله التعبير عن آرائهم هو مجتمع استبدادي محكوم بالانهيار والاضمحلال، ومكتوب على جبينه الفشل، ولا يمكنه بحال من الأحوال أن يتقدم إلى الأمام، ولا أن يتطور في معارفه وعلومه ونُظُمه.

والمجتمع الذي لا تُتَداوَل فيه الآراء وتُمخَض لا يمكنه أن يتمخَّض عن معارف جديدة وآراء سَديدة، يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "اِضرِبُوا بعضَ الرأيِ ببعضٍ يَتَوَلَّدْ مِنهُ الصَّوابُ" ويقول: "إمخَضوا الرأيَ مَخضَ السِّقاءِ يُنتِجْ سَديدَ الآراءِ" ولا أبلغ من هذا القول للتعبير عن أهمية تبادل الآراء وتداولها، يُشبَّه ذلك بمَخْضِ الحليب في الجَرَّة، حيث يوضع فيها ويأخذ الرجل برفعها وخفضها والحليب فيها يروح ويجيء مدة من الزمن حتى تُستخلَص الزُبدة منه، كذلك مُداولة الآراء بين أهل الشأن والمتخصصين وحتى عامة الناس فيما لهم فيه رأي هو الطريق الأوحد للوصول إلى الرأي السديد، وبهذا يقوى المجتمع وتقوى الدولة، وينضج وينمو ويتقدم.

 وهذا ما أراده الإمام (ع) بقوله: "صَوابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ وَيَذْهبُ بِذَهابِها" فالرأي ما دام مُتداوَلاً  لابد وأن ينتهي إلى الصواب، وصواب الرأي يمتنع إذا لم يُتَداوَل، لأن الرأي الواحد غير مضمون الصحة، ولا يمكن للمرء ما دام غير معصوم عن الخطأ وغير قادر على الإحاطة بكل شيء وغير مُجَرِّب لكل شيء أن يقطع بصحة رأيه ما دام لم يطلع على الآراء الأخرى، بل إن من العقلانية أن يَتَّهِم رأيه حتى يتيقن من صحته.

إن الطريق الأمثل إلى الخطأ والتهور هو الاستبداد بالرأي الواحد وعدم الاسترشاد بالآراء الأخرى التي قد تحمل الصواب والخير للفرد والمجتمع، والأسوأ من ذلك منع الرأي الآخر وكم الأفواه كما هو الحال في معظم الأنظمة السياسية في العالم، حتى تلك الأنظمة التي رَوَّجت طويلاً للديمقراطية وحرية التعبير، بل تزعَّمت العالم بهذه الكِذبة، بل خاضت حروباً مُدَمِّرة على دول كثيرة، وقتلت مئات الألوف من الأبرياء، وخنقت دولاً وشعوباً بالحصار الاقتصادي والمالي تحت هذه الحجة الكاذبة، وقد أثبتت الحرب الجارية الآن في فلسطين المغتصبة بالقوة والقهر ورغماً عن إرادة شعبها أثبتت أن الرأي الآخر ممنوع في تلك الدول التي تقاطرت على الكيان المحتل بالدعم السياسي والمالي والاقتصادي والعسكري والقانوني والإعلامي، حيث مُنِع الناس هناك حتى من الاعتراض على القتل المُتَعَمَّد والإبادة الجماعية.

فأما المؤمن فلا يُضيره الرأي الآخر، بل لا يتجاهله، بل يطلبه ويرغب به، ويعتقد أن في تنوع الآراء ثَراءٌ ونَماءٌ وخير كثير، وإلا فما الحكمة في أن يخلق الله البشر متنوعين مختلفين في آرائهم، أليس الهدف من ذلك إثراء الحياة الاجتماعية، فلو شاء الله لجعل البشر كلهم على رأي واحد، وأمة واحدة، ولكنه شاء لنا أن نكون مختلفين، وأراد لنا أن نبقى على ذلك إلى أن تنتهي الحياة البشرية على ظهر كوكب الأرض، فالاختلاف سنة من سنن الله لأن الحياة الإنسانية لا تنمو ولا تتطور إلا به قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ..."﴿هود/119﴾ فالناس قد خُلقوا ولكل منهم استعداد، ولكل منهم مشرب، و لكل منهم منهج، ولكل منهم طريق.

ولحكمة من حكم الله خلقوا هكذا مختلفين، وقد عرض الله عليهم الهدى، وتركهم يستبقون، وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه، وهم إليه راجعون.‏

وقال الله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" ﴿المائدة/ 48﴾.
 
فلو شاء الله لخلق الناس كلهم على نسق واحد، وباستعداد واحد نسخا طبق الأصل عن بعضها لا تفاوت بينها ولا تنويع فيها، ولكن هذه ليست طبيعة هذه الحياة المقدرة على هذه الأرض، وليست طبيعة هذا المخلوق البشري الذي استخلفه الله في الأرض، شاء الله ألا يكون الناس أمة واحدة.

فكان من مقتضى هذا أن يكونوا مختلفين، وهذا يستدعي اختلاف الآراء ويستدعي الاستماع إليها ومحاورة أهلها والأخذ بأحسنها وأصوبها وأوفقها مع الحق والحقيقة.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha