ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

قوة سلطان الحجة أعظم من قوة سلطان القدرة

8:58 - April 20, 2024
رمز الخبر: 3495359
بيروت ـ إکنا: عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن الله تعالى رغم أن سلطانه قاهرٌ لكل شيء لكنه يقيم الحجة على عباده، فلم يَدعُهُم إلى شيء إلا وأقام الحجة عليه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قُوَّةُ سُلْطانِ الْحُجَّةِ أَعْظَمُ مِنْ قُوَّةِ سُلْطانِ الْقُدْرَةِ".
 
الحُجَّةُ: ما يَلزَم الإقرار بموجبه على وجه ينقطع به العُذر. مثل دلالة وجود المخلوقات على وجود الخالق واستحقاقه للعبادة، وهي البرهان القاطع والدليل الساطع الذي يلزم الخصم بالإقرار بما دلَّت عليه، ويمنعه من الفرار والإنكار.

والسَّلطان: القَهر والغَلَبة، من ذلك السَّلاطة، من التسلُّطِ وهو القَهر، ولذلك سُمِيَّ السُّلطان سُلطاناً لأنه يقهر من دونه ويغلِب عليه، ولما كانت الحُجَّة تُلزِم الطرف الآخر وتغلِبه ولا تدع له عُذراً يعتذر به، كان لها سلطان عليه.
 
في جوهرته الكريمة يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): إن قَهر الطرف الآخر والتسلُّط عليه يكون على نحوين:

النَّحو الأول: أن تتسلط عليه بالحُجَّة، أي تحتجَّ عليه بما يؤمن به، أو تبرهن على رأيك ببرهان لا يمكنه إبطاله، وكلمة البرهان عادة تستعمل في الدليل القوي القاطع الذي لا يمكن إبطاله. 

النَّحو الثاني: أن تتسلّطَ عليه بالغَلَبَة والقُدرة والقُوَّة، أي تخضِعه بما لك عليه من سلطان، أو ما تملكه من قدرة عسكرية، أو أمنية، أو اقتصادية، أو سوى ذلك، فهو خاضع لك من ضَعفٍ وهَوان، ومن ذِلة لا من اختيار.
 
الفرق بين النَّحوين من القوة، أن قوة الحُجَّة تخاطب العقل وتمسِك به، وتنفذ إلى القلب وتؤثر فيه، أما قوة السُّلطة فجُلُّ ما تفعله أن تمسِك بالبدن وحسب، أما العقل والقلب فيظلان طليقَين، مثال على ذلك: إذا أقمتَ الحُجَّة على الآخر أذعن لها باختياره، أما إذا تسلطت عليه بالقهر والجبروت فأنت تتسلط على بدنه أو ماله، ولا تتسلط على عقله وقلبه، هَبْ أنك ألقيت بشخصٍ في غياهب السِّجن، فأنت تسجن بدنه ولكنك لا تسجن قلبه وروحه وعقله وفكره.
 
وفرق آخر: أن الحُجَّة تُقْنِع الطرف الآخر، إذ لا يقدر رفضها، أما قوة السلطة فتقمعه، وهذا فارق مُهِم لا ينبغي أن يغيب عن بالك، ففي حوارك مع زوجك، أو ولدك، أو أي طرف آخر احتَجَّ عليه بما يُقنعه، ولا تبادر إلى استعمال سلطتك كزوج، أو أب، لأن القمع قد يفيدك للوهلة الأولى، لكنه يأتي بنتائج عكسية على المَديَين القصير والطويل.
 
ومن الفروق: أن الحُجَّة تغيِّر الآخر، لأنها تحاكي عقله وتنفذ إلى قلبه، أما قوة السلطة أو سلطة القوة والقدرة فإنها تُنَفِّره، لأن الإنسان مفطور على التسليم للحق، كما أنه مفطور على الحرية فيرفض أن يستعبده الآخرون.
 
ومن الفروق: أنَّ الحُجَّة قد تحوَّل الخَصم إلى وَلِيٍّ، فإن الناس أعداء ما جَهِلوا من الأفكار والآراء، وأعداء لمن يتبنون تلك الآراء، فإذا عرَفوا ما كانوا ينكرون، فقد يتحوَّلون إلى أولياء، أمّا قدرة السلطة فإنها لا تجعل من أحد ولياً بل تصنع من معظم الناس عبيداً مقهورين.
 
عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن الله تعالى رغم أن سلطانه قاهرٌ لكل شيء لكنه يقيم الحجة على عباده، فلم يَدعُهُم إلى شيء إلا وأقام الحجة عليه، وأكثر ما برهن عليه وحدانيته، وتوحيده، والنبوَّة والمعاد، ولم يقل لنا: بهذا يجب أن تؤمنوا اقتنعتم أم لم تقتنعوا، بل بَرهَن على كل شيء، وكان يطالب المُنكرين والجاحدين بأن يأتوا بحجَّجهم وبراهينهم. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha