ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

كُلُّ مالِكٍ غَيرَ اللّهِ مَمْلُوكٌ

2:09 - April 26, 2024
رمز الخبر: 3495440
بیروت ـ إکنا: إن وجودنا نحن المُمكِنات (ونقصد بالممكنات كل ما سوى الله تعالى الذي هو وحده واجب الوجود) إن وجودنا ليس مستقِلاً ذاتيا كوجود الله، الله تعالى لأن وجوده ذاتي فهو أزَلِيٌّ وسرمدي، ولأنه كذلك فهو موجِد الأشياء وخالقها من العدم، ولأنه كذلك فهو مالكها الحقيقي لأنه تعالى هو القيّوم عليها. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "كُلُّ مالِكٍ غَيرَ اللّهِ مَمْلُوكٌ".
 
هَب أنك ملكتَ آلاف العقارات، وكنزتَ المليارات، واقتنيت أحدث الطائرات واليخوت والسيارات، بل هَب أنك ملكت الأرض كلها وما فيها من ثروات، وهب أنك ترأس آلاف الشركات، بل ترأس أعظم وأقوى الإمبراطوريات، وتقود أقوى جيوش العالم وتتخذ القرارات، فذلك لا يلغي أنك مَمْلوك لغيرك، نعم أنت مملوك لخالقك "الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿7﴾ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴿8/الانفطار﴾ والذي أفاض عليك وجودك، ووهبك أعضاءك وجوارحك وقابلياتك ومواهبك، والذي رزقك العقل، والعلم والمعرفة والقدرة على التفكير والفهم، والذي مَهَّد لك الأرض لتعيش عليها آمناً مطمئناً، وأوجد لك فيها جميع ما أنت محتاج إليه مدى عمرك، من غذاء وماء ودواء ومعادن، والذي  بيده حياتك وموتك، وإليه معادك. 

فإذا كان أصل وجودك منه، وبقاؤك منه، ورجوعك إليه فأنت مملوك لله، وإذا كنت لا تملك قرار حياتك وموتك فأنت مملوك لله، وإذا كنت عاجزاً عن إيجاد نفسك، وعاجزاً عن دفع الموت عنك فأنت مملوك لله، وإذا كانت صحتك تعتَلُّ رغماً عنك، ولا تدري متى تمرض ومتى تتعافى فأنت لست مالكا لنفسك بل مملوك لخالقك الذي بيده المرض وبيده الشفاء، وإذا كنت لا تدفع الضر والفقر عنك ولا تجلب النفع إليك فأنت مملوك لله ولو كنت تملك ظاهراً أموال الدنيا بأسرها.

إن وجودنا نحن المُمكِنات (ونقصد بالممكنات كل ما سوى الله تعالى الذي هو وحده واجب الوجود) إن وجودنا ليس مستقِلاً ذاتيا كوجود الله، الله تعالى لأن وجوده ذاتي فهو أزَلِيٌّ وسرمدي، ولأنه كذلك فهو موجِد الأشياء وخالقها من العدم، ولأنه كذلك فهو مالكها الحقيقي لأنه تعالى هو القيّوم عليها. 

إن وجودنا ارتباطي تعلُّقيُّ لأننا لم نوجِد أنفسنا إذ يستحيل ذلك، ولَمّا كنا محتاجين إلى الله آناً بعد آن، وبكلمة أخرى: لما كُنا قائمين بالله والله هو القَيِّوم علينا فإن وجودنا ارتباطي وتعلُّقي، ونعني بذلك أنه يستحيل أن نوجَد إلا إذا أوجدنا الله تعالى، وهذا يعني أن المالك لنا حقيقة وواقعا هو الله تعالى، أما مُلكيتنا لأشيائنا وحتى أعضاء أبداننا وإن كان مُلكاً حقيقياً قياساً على المُلك الاعتباري ولكن رغم ذلك لا يمكننا أن نتصرف فيها كما نريد وساعة نريد، بل لا بد من استئذان المالك الحقيقي لنا وهو الله تعالى.

كي أوضِح هذه الفكرة أقول: إن المِلكية ثلاثة أقسام، أو ثلاثة مراتب:

القسم الأول: الملكية الاعتبارية، وهي التي تكون قابلية للتغيير والانتقال من مالك إلى مالك آخر بالبيع والشراء، مثل ملكية الشخص لداره، أو سيارته، هاتفه، فإذا باع الشخص هذه الأشياء تخرج من ملكيته وتصير مِلكاً للمشتري.

القسم الثاني: الملكية الحقيقية ولكن المحدودة، مثل ملكية الإنسان لأعضاء بدنه فملكيته لهذه الأشياء ملكية حقيقية، ولكنها ملكية محدودة وليست ملكية مطلقة، ولذلك ليس له أن يتصرف في أعضاء بدنه التي لا بقاء له إلا بها، كيفما يشاء وساعة يشاء، فلو قلع عينه، أو قطع أذنه، أو بتر ساقه لَلامَه العقلاء وأنَّبوه وأنكروا عليه فعلته، وكذلك الشريعة الإلهية تعتبر فعله حراماً يُجازى عليه يوم الدين، نعم له أن يهَبَ بعض أعضائه التي يمكن للبدن أن يحيا بدونها مثل إحدى الكليتين.

القسم الثالث: الملكية الحقيقية المطلقة والتي لا حدود لهها ولا قيود، وهي ملكية الله سبحانه لخلقه، أي لكل ما خلق في هذا الكون، فالكون كله ملك لله، لأن الله هو خالقه حقيقة، ومدبر أمره حقيقة، والمفيض عليه بما يحتاج إليه حقيقة.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha