ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

للتَّأَنّي بركات جليلة أهمّها النجاح والفوز والظفر

13:06 - May 17, 2023
رمز الخبر: 3491184
بيروت ـ إکنا: إن للتَّأَنّي بركات جليلة أهمّها النجاح والفوز والظفر، وإصابة الواقع، والأمن من الخطأ والزَّلَلِ، وبلوغ الغايات، والحصول على الحاجات، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَنْ تَأَنّى أَصابَ أَوْ كادَ، ومَنْ عَجِلَ أَخْطَأَ أَوْ كادَ". وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنِ اتَّأَدَ أَمِنَ مِنَ الزَّلَلِ".

و رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالتَّأَنِّي تَسْهُلُ الْمَطالِبُ".

التأنِّي: التَّمَهُّل، وترك الاستعجال في تدبير الأمور، وطلب الأشياء، والحكم على الأحداث، وقبول الأخبار، فيفعل المُتأنِّي كل شيء في وقته المناسب له، دون تأخير مضر، أو عَجَلة قبيحة، وهو تصرف حكيم متزن بين العجلة المذمومة والتباطؤ المذموم.

إن للإنسان حاجات مختلفة، ومطالب متنوِّعة، ومصالح مادية ومعنوية، وجميعها متوقف على تكامل أسبابه وظروفه، وذلك محكوم للزمان، فلا يكون شيء قبل ذلك، حتى الله تعالى الذي لا يُعجِزُه شيء، والقادر على كل شيء، وبيده أسباب كل شيء، وأمره (كُنْ)، لكنه يخلق الخلق على مراحل وحُقَبٍ زمانية، والسببُ الخلق نفسه، فهو لا يوجد ولا يكتمل إلا بذلك، فحبّة القمح مثلا لا تكون سُنبلة إلا بعد أن تجتاز مراحل عديدة من حَبَّة تُلقى في باطن الأرض، ثم تأخذ منها العناصر اللازمة لنباتها، ثم تصير نبتة تنمو حتى تستوي على سوقها، ثم تُولَد حباتها في سنبلة، ثم تتكامل حتى تنضج، وهكذا الإنسان، يبدأ نطفة، فعَلَقة، فمُضغة، فعِظاماً، ثم تُكسى العظام لحماً، ثم يُنشئه الله خلقاً آخر، فإذا تكامل خَلقُه أخرجه الله من الرَّحم في الوقت الملائم له، ثم يَدْرُجُ في الحياة يقطعها مرحلة بعد مرحلة إلى أن يرجع إلى الأرض التي خُلِقَ منها. وما ينطبق على الحَبَّة والإنسان ينطبق على جميع المخلوقات.

وهكذا الحال في مطالب الإنسان وحاجاته ومصالحه، مادية كانت أم معنوية، لا يمكنه بحال من الأحوال أن يحصل عليها بمجرَّد أن يتمنّاها ويريدها، فهي الأخرى تحتاج إلى تكامل أسبابها وظروفها الملائمة، وعلى الإنسان أن يتحلّى بالصبر والأناة، وأن يعطي لكل حاجة من حاجاته الوقت الذي تحتاجه، ولا يمكنه أن يستعجل الحصول عليها، ولا أن يحرق مراحلها اللازمة، فإنه إن فعل ذلك أضاعها وأخفق في الحصول عليها، ثم قعد مَلوماً محصوراً، ولا يقتصر ذلك على حاجاته المادية، بل يتعداها إلى حاجاته المعنوية، حتى العبادية منها، فإنه لن يرى أثر العبادة من صلاة واحدة يؤديها، أو دعاء يدعو به، بل لا بد من المداومة على ذلك حتى تصطبغ ذاته بلون العبادة فيرى أثرها في حياته، إن ذلك يعني أن يتأنَّى في عباداته، وألا يستعجل حصول الآثار والبركات التي يرغب فيها.

واعلم قارئي الكريم أن التأَنِّي مَهارة مُهِمَّة يجب أن يمتلكها الإنسان، وبمقدوره أن يطوِّرها ويتمَرَّن عليها، معتمداً على العقل الذي يحذِّره من العَجَلة، ويدعوه إلى الإكثار من التفكير والتأمل قبل الإقدام على أيِّ فعل من أفعاله، ويحثُّه على التَّرَوّي والتُّؤَدَة كي يتجنَّب الوقوع في المزالق والمَهالك، ويحثُّه أيضاً على حُسْنِ التدبير كي يتجنَّب المَوانع والعوائق والعثرات.

ويعتمد كذلك على الإيمان ووصايا الدين الحنيف الذين يدعوانه إلى تجَنَّب العَجَلة. فمن اعتمد العقل والإيمان والدين هُداة له في حياته أمِنَ الخَطل والخطأ والزَّلَلَ، وذلك توفيق لا يعدوه توفيق، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "الأَناةُ مِنَ اللّهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيطانِ" وجاء عنه (ص) أيضاً: "إذا أرَدتَ أَمْراً فَعَلَيكَ بِالتُّؤَدَةِ، حَتّى يُرِيَكَ اللّهُ مِنهُ المَخرَجَ، أو حَتّى يَجعَلَ اللّهُ لَكَ مَخرَجاً". 

وكما ينشأ التَّأَنّي من العقل والإيمان كذلك ينشأ من عُلُوِّ الهمة، وسُمُوِّ الأهداف، وبعد الغايات، فمن يكُ عالي الهِمَّة يتأنَّى، ومن يَكُ سامي الأهداف يَتَّئِد، ومن تكُ غاياته بعيدة لا يُضَيِّعها بالاستعجال والتَّسَرُّع والخِفَّة والهَرَع. 

وإن للتَّأَنّي بركات جليلة أهمّها النجاح والفوز والظفر، وإصابة الواقع، والأمن من الخطأ والزَّلَلِ، وبلوغ الغايات، والحصول على الحاجات، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَنْ تَأَنّى أَصابَ أَوْ كادَ، ومَنْ عَجِلَ أَخْطَأَ أَوْ كادَ". وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "مَنِ اتَّأَدَ أَمِنَ مِنَ الزَّلَلِ".

إنَّ الأناة ذاتها نصف الطريق إلى الفوز، ونصف الأسباب المطلوبة لتحقق الحاجة فالمتأنّي مُصيب أو يكاد أن يصيب لأن الذي يتعامل مع الواقع بروية وتُؤَدَة، تسهُلُ عليه الأمور، لأنه يعرف أين يضع خطوته التالية، فالحياة أشبه نا تكون بحقل خُبِّئَت في الألغام لا يدري متى تنفجر فيه، فليس له أن يتسرَّعَ وأن يضع قدمه كيفما اتفق.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

facebook

whatsapp

captcha