ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

المعايير الأخلاقية من أهم الضَّرورات الإنسانية والاجتماعية

16:19 - June 05, 2023
رمز الخبر: 3491430
بیروت ـ اكنا: ان القِيَم أو المعايير الأخلاقية من أهم الضَّرورات الإنسانية والاجتماعية، إذ عليها تنتظم علاقات الأفراد، إنها القواعد التي يتحرَّك الفرد والمجتمع على أساسها، وعلى أساسها يقيم علاقاته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِحُسْنِ الْأَخْلاقِ يَطيبُ الْعَيْشُ".
 
تعالَ قارئي الكريم نُطلق العنان لخيالنا أن يتسع في رسم المشاهد الجميلة لمجتمع تسوده الأخلاق الفاضلة، مجتمع يقوم على الحُبِّ، والوِدِّ، والإخلاص، والتعاطف، والتراحم، والتكافل، والتعاون، والمُواساة، والرِّفق، والمُداراة، والحِلم، والصدق، والأمانة، والوفاء بالوعد، والصدق في العهد، مجتمع يسوده العدل، والأمن، والحياء، والعِفَّة، والسِّتر، والفَضيلة، والتواضع، والتُّؤَدة، والغُفران، والصَّفح، والمُروءة، والشَّهامة، والشَّجاعة، والكرم، والجود، مجتمع ينشد الحَقَّ ويدعو إليه ويلتزم به، مجتمع يدعو إلى المَعروف، ويتعامل أفراده فيما بينهم على أساسه، وينهى عن المنكر ويحاربه.
 
مجتمع يصون الكرامة الإنسانية، ويحفظ السُّمعة، ويصون العِرضَ، ويحمي الخصوصية الفردية، وهكذا سائر الصِّفات النبيلة والأخلاق الفاضلة، فكيف سيكون حال هذا المجتمع؟ من المؤكد أن العيش يطيب فيه. 

ثم تعالَ قارئي الكريم نتخيَّل مجتمعاً لا يراعي القِيَم الأخلاقية السَّامية، مجتمعاً تسود فيه الرذائل والأحقاد والتنافر والتدابر والعَداء والبغضاء، مجتمعاً لا مَعايير أخلاقية تنظم العلاقة بين أفراده، فكيف سيكون حاله، وكيف سيكون العَيش فيه، من المُؤكِّد أن العَيش فيه سيكون مَحكوماً بالتَّعاسة والشَّقاء، والخَوف والقلق.

الأخلاق قارئي الكريم ليست أموراً اختيارية يمكن للمرء والمجتمع أن يختاراها أو لا يختاراها، وبكلمة أخرى: ليست شبيهة بالسِّلَع التي توصف بالكماليات والتي يمكن العيش من دونها، الأخلاق ضرورة للفرد وللمجتمع، بل من أَهَمِّ الضروريات فمجتمع دون أخلاق لا يكون مجتمعاً إنسانياً، ولا يكون مجتمعاً حيوانياً كذلك، فحتى المجتمعات الحيوانية نلاحِظُ أنها تقوم علاقاتها على الرحمة والتعاطف والتعاون بين أفرادها، قد لا أستطيع أن أفسِّر لك ذلك، لكني ألاحظه في حياة الحيوان، فكل نوع من أنواع الحيوان له سُلوكٌ مُعيِّن قائم على معايير ونُظُمٍ صارمة ثابتة لا تتبدل، ولا يُسمَحُ بتجاوزها، ويكفيك في هذا المجال أن تلاحظ عالَمَي النَّمْلِ والنَّحْلِ لِتُدرك ما أقول، جُلُّ ما في الأمر أن الحيوانات تمارس تلك المَعايير غريزياً، أما الإنسان فيمارسها بوعي وعقلانية، ويدرك إيجابياتها وسلبياتها عليه.

فالقِيَم أو المعايير الأخلاقية من أهم الضَّرورات الإنسانية والاجتماعية، إذ عليها تنتظم علاقات الأفراد، إنها القواعد التي يتحرَّك الفرد والمجتمع على أساسها، وعلى أساسها يقيم علاقاته، إِذْ لا يمكن أن تقوم علاقة دون معايير ناظِمَةٍ لها، إِنَّ عَلاقات الإنسان مع الإنسان نَحْوٌ من العُقود والعُهود والمَواثيق إذا لم تراعى يتمَزَّق المجتمع، وتتقطع علائقه، ويتدابر أفراده، ويحِلُّ الخِصام مَحَلَّ الوِئام، والعَداء محَلَّ الحُبِّ، والتنازع محل التآلف، والحرب محل السلام.

إنَّ الإنسان كائِنٌ أخلاقي، الأخلاق مجبولة في طينته، والمطلوب منه أن يعمل على تنميتها وتزكيتها كما ينصُّ القرآن الكريم، والأخلاق هي الهُوية الأهَّم التي يعرفه الناس بها، إنهم لا يتعاملون معه على أساس اسمه والاسم هوية بلا شك، ولا على أساس هويته الجينية، بل يتعاملون معه على أساس أخلاقه، فهو في نظرهم إما إنسان صالح، أو إنسان طالح، ينجذبون إلى الأول، وينفرون من الثاني. ولهذا كانت مَهمَّة الدين الأولى والأخيرة بناء إنسان أخلاقي، ومهمة الشريعة الدينية صياغة أخلاقه وتنميتها.

ما يجري في الفرد يجري في المجتمع، فكما تؤثِّر الأخلاق في سلوك الفرد تؤثر في سلوك المجتمع، والأخلاق هي أساس بنائهما وأساس فلاحهما ونجاحهما، ولا يُبتلى الفرد والمجتمع ببلاء أعظم من ذهاب الأخلاق، فإن ذهبت أخلاقهما ذهبا.
 
لذلك فإن على المجتمع الذي ينشد العيش الرغيد والحياة السعيدة أن يتسامى في أخلاقه، إذ لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين متعاونين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، وقد أثبتت التجارب الإنسانية أن ارتقاء الأمم والشعوب مَعنوياً ومادياً ملازم لارتقائها في سُلَّم الأخلاق الفاضلة، ومتناسب معها، وأن انهيارها ملازم لانهيار أخلاقها ومتناسب معه.    

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي
أخبار ذات صلة
captcha