ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الأبرار المَتوَسِّعون في فعل الخيرات

17:01 - June 06, 2023
رمز الخبر: 3491453
بيروت ـ إکنا: إن الأبرار المَتوَسِّعون في فعل الخيرات، والمتصفون بالمكارم والفضائل، وحدهم الذين يبلغون المقام العَلِيَّ، ووحدهم الذي يقيمون في النعيم، وهو نعيم مُقيم خالد لا أَمَدَ له ولا أبَدَ، فنتائجه مضمونة، وآثاره أكيدة.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالسِّيرَةِ الْعادِلَةِ يُقْهَرُ الْمَساوي".

هل تريد أن تتقدَّم على من يساويك في القدرة، أو المال، أو الجاه، أو المنصب الوظيفي، أو العلم والاختصاص العلمي، أو في أي مجال تتساوى فيه مع سواك؟، ما عليك إلا تسبقه بسيرتك العادلة، أن تتقدم عليه بالتزامك الأخلاقي، بعدلك واتزانك، بصدقك وأمانتك، بوفائك وإخلاصك، بلينك وتواضعك، بتقواك وورَعك، بتزكية نفسك، وتنمية فضائلها وتحليتها بالمكارم، في هذا فقط يمكنك أن تسبقه وتتقدم عليه في دنياك وفي آخرتك. وبهذا فقط يمكنك أن تقهره وتفوز عليه. 

إن التنافس في أمور الدنيا غير مضمون النتائج، قد تتقدم عليه تارة ويتقدم عليك تارة أخرى، قد تجمع من المال أكثر منه، ثم تتبدل الظروف فيجمع أكثر منك، قد تكون رئيسه يوماً فيصير رئيسك يوماً آخر، قد تكون أقوى منه بدنياً فيصيبك مرض يُضعفك، فيتقدم عليك بالقوة، في أي أمر من أمور الدنيا قد تقهره ويقهرك، فالدنيا نفسها لا تبقى ولا تدوم، وكل ما فيها مَقهور لقوانينها، وإنها لتأخذ منك بقدر ما تعطيك، وتعطيه بقدر ما تأخذ منه.

فلا تعطيك كل شيء لتكون قاهراً له ومتقدماً عليه في كل شيء. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "إنْ كُنْتُم لا مَحالَةَ مُتَنافِسِينَ فتَنافَسوا في الخِصالِ الرَّغيبَةِ وخِلالِ المَجدِ" ففي هذه الخِصال يكون التنافس المَحمود، فهو مضمون النتائج ومحمود الآثار، لأنه يرتقي بالمُنافس في مدارج الكمال الإنساني، إنه تنافس يصنع منك إنساناً كاملاً، إنساناً راقياً، فتهفو القلوب إليك، وتُصَيِّرَكَ مَلِكاً على عُروشها، وتمحضك الحُبَّ والمَوَدَّة.

والله تعالى يدعونا إلى التنافس في هذا الصعيد، يقول سبحانه: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿18﴾وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾كِتَابٌ مَرْقُومٌ ﴿20﴾يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴿21﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴿22﴾ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ﴿23﴾تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿24﴾يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ﴿25﴾خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ"﴿26/ المطفِّفين﴾.

 فالأبرار المَتوَسِّعون في فعل الخيرات، والمتصفون بالمكارم والفضائل، وحدهم الذين يبلغون المقام العَلِيَّ، ووحدهم الذي يقيمون في النعيم، وهو نعيم مُقيم خالد لا أَمَدَ له ولا أبَدَ، فنتائجه مضمونة، وآثاره أكيدة.

وقد رُوِيَت هذه الجوهرة بشكل آخر حيث جاء فيها: "بِالسِّيرَةِ الْعادِلَةِ يُقْهَرُ الْمُناوي" والمُناوئ هو المُعادي لك، الذي لا يريد لك الخير، ويجهد في أن يتقدم عليك في جميع المجالات، وعلى مختلف الأصعدة، فإذا أردت أن تقهره بالعزِّة والمِنعَة والقُوَّةِ والاقتدار، وتتقدم عليه في التطوِّر والنُّمُوِّ والازدهار فسبيلك إلى ذلك السلوك السَّوِيُّ، والسيرة الحَسَنَة العادِلَة.

وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمع والأُمَّة وحُكَّامها، فكلما كانت الأمة عادلة، وسار حكامها بسيرة العدل والإنصاف، فنالَ صاحب الحق حقه، وانتُصِفَ للمظلوم من الظالم، ورُدِعَ الباغي والطاغي، وتساوى أفراد المجتمع أمام القانون، وحُفِظَت كراماتهم، وصِينَت دماؤهم وأعراضهم وأموالهم، وأُعطِيَ كل فرد فرصته للعمل والإبداع، كان ذلك من دواعي تقدمها ونُموها وازدهارها، واستحقَّت أن تتقدم على أعدائها ومناوئيها.

إن أمتنا اليوم تخوض صراعاً مريراً ومُكلفاً مع أعدائها وعلى صُعُدٍ شَتّى، وهي تريد أن تتطوَّر وتتقَدَّم من جهة، وتريد أن تخرج من ربقة الطغاة والمستكبرين من جهة ثانية، وتطمح إلى تقديم نموذجها الحضاري الرباني إلى المجتمع الإنساني، ولا سبيل لها إلا بالسيرة العادلة. 

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha