ایکنا

IQNA

جواهر علَويَّة...

الجزع يضاعف وقع المصيبة في النفس

13:50 - May 28, 2023
رمز الخبر: 3491338
بيروت ـ إکنا: إن الجزع يضاعف وقع المصيبة في النفس، ويزيد من مضضها وألمها، فيصير الجازع تحت وطأة مصيبتين: المصيبة الأولى، والمصيبة المضاعفة الناتجة عن جزعه، لذلك ذكرت النصوص الشريفة أن الجزع أتعب من الصبر، وأنه أشد من المصيبة، وأنه يزيدها، وأنه يُوقع في الكثير مما يكره المرء.

وورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِكَثْرَةِ الْجَزَعِ تَعْظُمُ الْفَجيعَةُ".

الجَزَعُ: حُزن يَصْرِف الإنسانَ عمَّا هو بصدده، ويقطعه عنه. وهو أبلغُ من الحُزن، وقيل: هو إظهار ما يلحق المُصَاب مِن المَضَض والغَمِّ.

وعلى أيٍّ من التعاريف التي ذُكِرَت له، فإن الجَزَعَ ضَعفٌ في النفس، وخوفٌ في القلب، يمدُّه شِدَّة الطمع والحِرص، ويتولَّد من ضعف الإيمان، وتوَهُّم السلامة في الدنيا من الأمراض، والخسارات، والابتلاءات المادية والنفسية، وكراهة الموت لنفسه أو لمن يُحِبُّ.

فلو آمن المرء بالله إيماناً حقيقياً، وعلم أن الله لا يُقَدِّرُ عليه إلا ما هو أصلح له، وفهم الدنيا على حقيقتها، وأنها كما يصفها الإمام أمير المؤمنين (ع): "دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَلَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَالْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا". لما جَزع ولا اضطرب، ولرضي بما يكون، وما يجري عليه يجري على غيره من الخلق فهو وهم سواء في هذا.

وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَن يَعرِفِ البلاءَ يَصْبِرْ علَيهِ، ومَن لا يَعرِفْهُ يُنْكِرْهُ" فالنبي (ص) يكشف بقوله الشريف عن واحد من أسباب الجزع، وهو توَهُّم السلامة من البلاء في الدنيا، وتوقع دام الصحة والعافية والغنى والرخاء، والسرور والراحة، والخلود في الدنيا، فإذا بالمصيبة إن حدثت، وإذا بالبلاء إن وقع، وإذا بالموت إن حلَّ بساحته يفجؤه ويصدمه ويفجعه.

وهذا ما تشهد له التجربة الإنسانية المُعاشَة، فإننا نرى بوضوح الفرق بين شخصٍ تفاجئه أحداث الحياة وبلاءاتها لأنه يتوهَّم عدم حدوثها معه على الأقل، وأنها إن حدثت تحدث مع سواه كأنه قد أخذ من الدنيا موثقاً أن تُجَنِّبه ذلك، وبين شخص يتوقع أن يُبتلى في كل لحظة، وأن يخسر، وأن يفقد عزيزاً، فالأول يجزع ويضطرب وينهار نفسياً ولا يتقبل الحقيقة، ولا يقوى على مواجهة الواقع، والآخر عكسه تماماً.

وفي هذا المجال يحسن بي أن أذكر لقارئي الكريم قصة قد تكون متَخَيَّلة ولكنها تُبدي حقيقة من أهم حقائق الحياة في الدنيا، يقال: إن أُمّاً ابتُلِيَ ولدها بمرض قاتل فدارت به على الأطباء ترجو أن تجد له دواء يشفيه ولكن كل الأدوية التي وُصِفَت له أخفقت في إبرائه، كان الولد يزداد مرضه والأم يزداد جزعها واضطرابها، إلى أن اهتدت إلى طبيب حاذق حكيم اكتشف أن العِلَّة ليست في مرض الولد بل في جزع الأم وعدم تقبُّلها للحقيقة، فقال لها: إن علاج ابنك سهل والدواء مقدور عليه لكنه مشروط بأن تأتيني بقليل من الملح من منزل من منازل قريتكم لم يمت أحد من أهله وأرحامه. فتهلَّلَ وجه الأم سروراً وقالت: الأمر سهل، غدا آتيك بالملح، فذهبت وبدأت تدخل منازل قريتها مَنزلا بعد منزل، وتسألهم: هل مات أحد من أهل منزلكم أو من أرحامكم؟ والكل يجيبها، نعم، مات فلانٌ وفلان.حتى انتهت من المرور على منازل القرية بأجمعها. فعادت في اليوم التالي إلى الطبيب الحكيم وقالت: قد وجدت الدواء. ما جرى على غيري يجري علَيَّ. لقد تقبلت الحقيقة، ورضيت بالقدر فهان الأمر عليها.

إن الذي يعلم أن المُقَدَّر لا بُدَّ كائن، لا يجزع ولا يضطرب، وإن جزع في نفسه فلا يُظهر جزعه في أفعاله ومواقفه، وبما أن الإنسان جزوع بطبعه إلا من رحِم الله، فقد نَهى الدين الحنيف عن ظهار الجزع عند حلول المصائب، واعتبر ذلك من الأفعال المذمومة التي تشي بعجز الإنسان عن الإمساك بمشاعره، فيظهر أمراً لا فائدة فيه، لا يردُّ قضاءً ولا يغيِّرُ قدَراً، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال وقد عزّى الأَشعثَ بنَ قيسٍ عن ابن له: "يَا أَشْعَثُ، إِنْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ ذلِكَ مِنْكَ الرَّحِمُ، وَإِنْ تَصْبِرْ فَفِي اللهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ. يَا أَشْعَثُ، إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مَأْجُورٌ، وَإِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مَأْزُورٌ  يَا أَشْعَثُ، ابْنُكَ سَرَّكَ وَهُوَ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ، وَحَزَنَكَ وَهُوَ ثَوَابٌ وَرَحْمَةٌ".

والجزع يضاعف وقع المصيبة في النفس، ويزيد من مضضها وألمها، فيصير الجازع تحت وطأة مصيبتين: المصيبة الأولى، والمصيبة المضاعفة الناتجة عن جزعه، لذلك ذكرت النصوص الشريفة أن الجزع أتعب من الصبر، وأنه أشد من المصيبة، وأنه يزيدها، وأنه يُوقع في الكثير مما يكره المرء. وأن المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان. فضلاً عن أنه يُحبِطُ الأجر والثواب.

رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إيّاكَ والجَزَعَ؛ فإنّهُ يَقْطَعُ الأملَ، ويُضْعِفُ العملَ، ويُورِثُ الهَمَّ. واعلَمْ أنَّ المَخْرَجَ في أمرَينِ: ما كانتْ فيهِ حِيلَةٌ فالاحْتِيالُ، وما لَم تكُنْ فيهِ حِيلةٌ فالاصْطِبارُ". 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha